منذ عرفت نفسي وأنا أنتظر وفاة عمي!
لم أكمل دراستي، ولم أفكر بأن أعمل، فقط أنتظر وفاة عمي لأرث ثروته الطائلة فعمي ليس له زوجة أو أولاد ولم يبق من أسرتنا إلا أنا وهو.
ذهبت إليه مرارا ليدعمني أو ليجد لي وظيفة مناسبة، لكنه نظر لي باحتقار، ثم وبخني وألقى عليّ محاضرة طويلة حول الكفاح والعمل، وكيف بنى نفسه بنفسه حتى صار من كبار رجال الأعمال؟
أتوسل إليه:
_ أنا ابنك يا عم ادعمني.
_ أنا بريء منك يا فاشل.
ويبدأ التحقيق معي:
_ قل بماذا نجحت؟
_ هل أسست عائلة؟
_ هل لك إنجاز علمي أو أدبي أو إنساني؟!
وتتوالى الأسئلة التي أفشل في الإجابة عنها..
وفي كل مرة أعود من منزله وأنا أتمنى له الموت لكن عمره طويل!
سبحان الله!
تجاوز السبعين من العمر، يشكو دوما من أمراض القلب والروماتيزم والتهاب المفاصل والضغط والسكري، ومع هذا صحته أفضل من صحتي بكثير!
لولا أن والدي ترك لي هذا البيت الذي أجرت الدور الأسفل منه وأسكن بالأعلى لتشردت ومت من الجوع.
البارحة بينما كنت غارقا في هواجسي وأوهامي طُرق الباب وهذا نادر ما يحدث!
_ من سيأتيني بعد صلاة العشاء؟!
فتحت الباب لأجد زميلي في الفشل والضياع نجيب عبد الغني، دخل وهو يتصبب عرقًا، ثم رمى بالكيس الكبير وأسرع إلى الحمام.
_ ما هذا؟ هل سرقت أحد المحلات وجئت تختبئ عندي؟!
_ هذا قات فاخر، الليلة ليلة البراشلة عيال. ...
_ ستظل مجنونا بالرياضة يا فاشل.
_ ماذا لدي في الدنيا غير القات وحب رويال مدريد؟!
رمى لي بعدة حزم من القات الفاخر وأسرع يفتح التلفاز ويستعد لمشاهدة المبارأة قائلًا:
_ إذا فاز الرويال لك عندي عشاء فاخر في مطعم الشيباني..
قاطعته:
_ وإذا فاز برشلونة؟
صرخ في وجهي بغضب:
_ فال الله ولا فالك، لا تقولها رجاء.
_ خلاص سحبت كلامي، أنا أمزح معك.
_ أمزح بكل شيء إلا الرويال.
بدأت المبارأة وحينها خرج نجيب عن التغطية، قام من مجلسه ووقف على رجليه وظل يصرخ في اللاعبين ويوجههم ويشتمهم، لقد تحمس أكثر من الحكم نفسه!
وعند الهدف الأول للريال في مرمى برشلونة صرخ نجيب:
_ هدف.
وأقبل يعانقني بفرحة وكأنه نال جائزة نوبل!
ومع الهدف الثاني والثالث للريال تهلل وجهه وصار يغني ويرقص بشكل هستيري، لقد أصيب بفرحة جنونية قائلا للاعبين:
_ أقسم بالله تسمحوا للبراشلة يعملوا فينا هدف لأقتل أبتكم. ثم نزع مسدسه من وسطه وجهزه لإطلاق الرصاص!
لقد جن فعلا!
قم بتحميل جميع إصدارات الكاتب من هنا.
الحمد لله. لقد انتهت المبارأة بفوز ريال مدريد وذهبنا للعشاء في المطعم كما وعد.
بعد العشاء فاجأني بقوله:
_ يا أخي اطلب مني أي حاجة؟
_ لماذا؟
_ أنا في قمة السعادة، ولو طلبت مني أعطيك نصيبي في منزلنا سأوافق.
قلت له مازحا:
_ ولو طلبت منك تقتل عمي هل ستوافق؟
أجاب بدون تردد:
_ سأقتله الآن، فقط أنت تأمر.
وضحكنا..
حمل نجيب قاته ومضى يحتفل مع الشلة نت مشجعي ريال مدريد فأنا لا صلة لي بالرياضة، وعدت وحيدا أفكر بقية ليلتي في حياتي التي ضيعتها بانتظار موت عمي.
_ إلى متى سأظل أنتظر موت عمي؟!
عمري تجاوز الأربعين وأنا لم أتزوج بعد، لا عائلة لي، ولا وظيفة، ولا مهارة أو هواية، لا شيء، حياتي أجلتها حتى يموت عمي وأستلم ثروته!
آكل وأشرب وأنام وأمضغ القات وأشاهد الأفلام الوثائقية ثم أنام وهكذا!
في اليوم التالي بعد العشاء جاءني نجيب، ناولني مسدسه ثم أخرج ماسورة كاتم الصوت من جيبه وركبها في المسدس قائلا:
_ 20 % من ثروة عمك وأخلصك منه الليلة موافق؟
ضحكت قائلا:
_ أنت تمزح معي صح؟!
أجاب بهدوء:
_ والله ما أمزح.
رفضت فكرة نجيب الإجرامية فعمي في النهاية بمقام والدي، ومهما فعل معي فلن أفكر بقتله فعلا.
في النهاية قررت أن أنسى عمي، وأن أعيش حياتي كما لو أنه قد مات فقيرا ولم أعرفه، بحثت عن الحاج مسعود، أحد أصدقاء الوالد وزرته طالبا منه وظيفة.
سألني:
_ هل معك شهادة عليا؟
ــ. ....................
_ هل درست محاسبة؟
ــ. .......................
_ هل لديك خبرة في الإدارة؟
ــ. ..........................
_ هل أنت ماهر في قيادة الشاحنات؟
ــ. ........................
أحسست بالخجل وصمت.
ولأنني لا أجيد إلا الأكل والشرب ومضغ القات وانتظار موت عمي فقد وظفني الحاج حارسًا في مؤسسته التجارية، أحمل البندق على ظهري وأظل طول الليل ألف وأدور حول المؤسسة وأصيح:
_ من أنت؟ وقف مكانك.
أتحرك وأنا أرتعش من البرد القارس ولا أتوقف إلا للأكل، أو لشرب الشاي لأتدفأ به، لو بقيت في مكاني لتجمدت من شدة البرد، وما إن تطلع الشمس وأتناول فطوري وأسلم السلاح للبوابة ثم أرتمي في الفراش كالميت حتى الواحدة ظهرا موعد الغداء.
وهكذا بقيت لأكثر من عام، كنت أعاقب نفسي على كسل وراحة 40 عاما مضت!
بعد عام ونصف من حمل السلاح والطواف ليلا حول المؤسسة، والصراخ في البرد أشفق علي الحاج مسعود، قرر أنني قد نجحت في الاختبار، ولذا وظفني نائبا لمدير المخازن الرئيسية، وعندما كلف مدير المخازن بأن يدير فرع الحديدة استلمت عمله وأدرت المخازن بأمانة وكفاءة.
ذات مساء استدعاني الحاج إلى مكتبه وسألني:
_ لماذا لا تأخذ إجازة وتذهب لأولادك كبقية الموظفين؟!
_ أنا غير متزوج.
دهش وسألني عن السبب فأخبرته بقصة حياتي كلها بصراحة.
ضحك الحاج كثيرا ثم قرر تزويجي على نفقته، رشح لي إحدى قريباته، وقد تم الزواج بشكل أسرع مما توقعت.
فوجئت يوم عرسي بحضور عمي الذي تفاعل ورقص بحماس في الزفة كأنه لم يذق فرحة منذ عقود، ولعله يكفر عن موقفه مني.
في صباح العرس وبينما كنت أتناول الإفطار مع العروسة إذا ببابي يدق بقوة أفزعتني، قلت للعروسة:
_ يبدو أن أمك وشقيقاتك قد جئن.
فتحت الباب لأجد محامي عمي يحضنني ويجهش بالبكاء قائلا:
_ عمك مات.
وأضاف:
_ تعال احضر إجراءات الدفن واستلم الميراث!
لقد تجمدت مذهولا وأنا غير مصدق موت عمي!
ووجدت نفسي أترحم عليه وأبكيه بحرقة رغم كل ما فعله بي!
قم بتحميل جميع إصدارات الكاتب من هنا.
اقرأ أيضا: 5 خطوات لكتابة رواية ناجحة.
اقرأ أيضا: كيف تؤلف كتابا في شهر؟